ذات
مساء …. وبعد يوم شاق … إستلقى على فراشه مثقلاً
بالهموم … كم كان يشعر بالحزن … وجع بالقلب … ضيق بالصدر … شعور باليأس … هكذا كان حاله
فؤاد
لا يسليه المدامُ ** وجسم لا يفارقه السقام ُ
وأجفان
تبيت مقرحات ** تسيل دماً إذا جن الظلام ُ
أغمض عينيه لعل النوم يذهب ما به من وساوس
الفكر وعذاب الأرق وجحيم القلق … وبعد صراع مع النفس المثقلة بالهموم ذهب في
سبات عميق ليستيقظ في الصباح الباكر كعادته … لم يكن حاله أفضل … نظر من
حوله بعين التشاؤم فكانت سماؤه ملبدة بغيوم اليأس وأجواؤه مغبره بالهموم وشمس
الأمل كانت غائبة ولم تشرق في ذلك الصباح …
كتم ذلك الشعور في قلبه وخرج لعمله يحمل بين جنبيه تلك النفس المتعبه … يسير بخطى ً متثاقله … يذهب بعينيه هنا وهناك فلا يرى
إلا الأشواك … فلا وجود للورد
وأريجه ولا للبلبل وتغريده لأن الدنيا أظلمت بعينيه والهموم أطبقت عليه .
وصل
إلى عمله وكعادته قام بإعداد قهوته بنفسه وما أن أشعل سيجارته وبدأ بها ينفث دخان
همومه حتى فتحت المؤسسه أبوابها ليبدأ العمل ويتدفق المراجعين وسط أجواء الكآبه
التي يشعر بها ولم تمض ساعه وإذ بأحد المراجعين يهمس له بصوت منخفض :
من
هذه المرأه ؟
أي
إمرأه ! أجاب
إنها
تقف هنا في الخارج
ترك ما بيده من عمل وخرج لينظر من المرأه ويسألها ما
تريد , فكانت المفاجأه ! فتلك المرأه آتيه إليه …
كانت
واقفه هناك تكاد تذوب من الخجل , رأسها نحو الأرض وعيناها حيث قدماها من الحياء ,
فتلك المؤسسه لا مكان فيها للنساء وجميع من فيها من الرجال … اقترب منها وناداها بلطف, وما أن سمعت صوته حتى رفعت رأسها ليرتسم على
وجهها تلك الإبتسامه … ويا لروعة تلك
الإبتسامه … كانت كماء بارد تدفق
ليروي الضمأ في عروق قلبه المتصحر فأنسته الهموم والغموم …وتبددت
غيوم اليأس وزالت آلام الحزن والكدر … إبتسامه من القلب
أثمرت الإنشراح والسعاده والهدوء والسكينه … وألقت الغطاء الأسود
عن عينيه فأبصر حدائق ذات بهجه ورياضاً خضراء وارفة الظلال ورحلت الغربان لتأتي
البلابل وتغني أعذب الألحان وتتلون السعاده بأجمل الألوان
وبعد وقت قصير غادرت تلك المرأه وشعورها بالسعاده بادياً
عليها …
فمن
كانت تلك المرأه يا ترى التي جعلت من الدمعة بسمه ومن الحزن فرحاً ومن اليأس أملاً
وكان لها هذا الأثر الكبير في نفسه ؟
إنها
إمرأه حزينه جداً محطمة القلب توفي عنها زوجها وهما غريبان هنا وترك لها أربعة
أيتام فذهبت إلى إخوتها وإخوة زوجها ليحطموا قلبها مرة أخرى بعد أن تنكر الجميع
لأبنائها فعادت إلى هنا بحرقة في القلب وغصة في الحلق ودموع تنسكب من العين لتشقى
في سبيل أبنائها ولم تعد تعرف للفرحه مكان ولا للإبتسامه عنوان حتى التقت به فأحست
بالأمان وكلما رأته شعرت بالإطمئنان بعد أن وجدت أخاً ليس من أمها ولا من أبيها
يعطف عليها فترتسم على وجهها تلك الإبتسامه التي يفرح بها قلبه وقد من ّ الله عليه
بأن جعله سبباً في ابتسامة تلك المرأة الحزينه وبالكلمه الطيبه فقط
إن عجزت عن الإبتسامه وأبى الفرح أن يدخل قلبك وطافت بك الهموم وألمّت بك
الغموم فامنح غيرك معروفاً وأسدِ لهم جميلاً تجد الفرج والراحة. أعط
محروماً، انصر مظلوماً، أنقذ مكروباً، أطعم جائعاً، عد مريضاً، أعن منكوباً، إمسح
دمعه كهذه
وارسم مكانها ابتسامه على وجوه البؤساء وليكن ذلك تجاه الله لتجد السعاده طعماً ولوناً تغمرك من بين يديك ومن خلفك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق