السبت، 15 نوفمبر 2014

أزفت ساعة الرحيل



طاغور شاعر وأديب هندي كبير عاش في أوائل القرن الماضي وبالرغم من الأحداث البائسه التي مرت به في حياته إلا أنه كان له ميزة حب الإنسانيه  يقول في ذكرياتـه:

كانت الشمس تشرق بتؤدة فوق أوراق الأشجاروفجأة، بدا وكأن نقاباً انزاح من أمام ناظري. لقد أبصرت العالم كله مغموراً بمجد يفوق الوصف؛ أمواج من الفرح والجمال تومض وتتصادم من كل صوب … لم يكن ثمة شيء أو أحد لم أكن أحبه في تلك اللحظة … وفي كلية رؤياي لاح لي أنني كنت شاهداً على حركات جسم الإنسانية بأسرها، شاعراً بموسيقى وبإيقاع رقصة سرية

بين عامي 1902 و 1918، انتزع منه الموت زوجه وثلاثة من أطفاله ووالده. لقد أحس أنه مثل زهرة انتـُُزِعت بتلاتها واحدة تلو الأخرى، وأصبحت كالثمرة التي سيأتي الموت ليقطفها في كمال نضجها كتقدمة لرب الحياة. ومع ذلك، فقد جعل منه صفاؤه الواسع وضبطه لنفسه وخضوعه أمام الله الذي ورثه من والده، إنساناً نادر العظمة. لم يكن الموت سراً بالنسبة له، ولم يكن ليستدعي الألم. وهكذا، كانت إحدى أغنياته التي استلهمها غاندي منه تقول:


أنا هذا البخور الذي لا يضوع عطره ما لم يُحرق،
أنا هذا القنديل الذي لا يشع ضوؤه ما لم يُشعَل


وعندما لم يبقى عند طاغور ما يقدمه بعد أن أنهكته الحياة وأصابه المرض أيقن أنه قد اقترب موعد الرحيل فوجه رسالته قبل الأخيره ليقول للعالم عيشوا حياتكم بصفائها وجمالها واملؤها بالسعاده والهناء فعما قريب سأرحل عنكم سأرحل فقد أزفت ساعة الرحيل وكتب هذه القصيده قبل رحيله بفتره قصيره والتي قال فيها :

ها قد أزفت ساعة الرحيل
إني أمضى صفر اليدين
لكنما الأمل يغمر قلبي
إن الطير في فضائه يحلق
لا ليجوب الفضاء
وإنما ليعود – من حيث أتي – إلى عالمه الأعظم

كنت أظن أن رحلتي
قد أوشكت على الختام
وأن قواي قد بلغت غاية الإنهاك
وأن الطريق أمامي مسدودة
وأن زادي قد انتهى
وإنه ربما حانت ساعة الانسحاب
إلى الصمت والظلام
ولكنني اكتشفت أن إرادتك لا تعرف نهاية لي
وعندما تموت الكلمات القديمة
تتدفق أنغام جديدة من القلب
وحين تضيع الطرق القديمة
يبدو في الأفق
وطن رائع وحياة جديده

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

شمس الأمل



ذات مساء …. وبعد يوم شاق إستلقى على فراشه مثقلاً بالهموم كم كان يشعر بالحزن وجع بالقلب  ضيق بالصدر شعور باليأس هكذا كان حاله 

فؤاد لا يسليه المدامُ  **  وجسم لا يفارقه السقام ُ
وأجفان تبيت مقرحات  **  تسيل دماً إذا جن الظلام ُ

أغمض عينيه لعل النوم يذهب ما به من وساوس الفكر وعذاب الأرق وجحيم القلق وبعد صراع مع النفس المثقلة بالهموم ذهب في سبات عميق ليستيقظ في الصباح الباكر كعادته لم يكن حاله أفضل نظر من حوله بعين التشاؤم فكانت سماؤه ملبدة بغيوم اليأس وأجواؤه مغبره بالهموم وشمس الأمل كانت غائبة  ولم تشرق في ذلك الصباح

كتم ذلك الشعور في قلبه وخرج لعمله يحمل بين جنبيه تلك النفس المتعبه يسير بخطى ً متثاقله يذهب بعينيه هنا وهناك فلا يرى إلا الأشواك فلا وجود للورد وأريجه ولا للبلبل وتغريده لأن الدنيا أظلمت بعينيه والهموم أطبقت عليه . 

وصل إلى عمله وكعادته قام بإعداد قهوته بنفسه وما أن أشعل سيجارته وبدأ بها ينفث دخان همومه حتى فتحت المؤسسه أبوابها ليبدأ العمل ويتدفق المراجعين وسط أجواء الكآبه التي يشعر بها ولم تمض ساعه وإذ بأحد المراجعين يهمس له بصوت منخفض :
من هذه المرأه ؟
أي إمرأه ! أجاب 
إنها تقف هنا في الخارج
ترك ما بيده من عمل وخرج لينظر من المرأه ويسألها ما تريد , فكانت المفاجأه ! فتلك المرأه آتيه إليه
كانت واقفه هناك تكاد تذوب من الخجل , رأسها نحو الأرض وعيناها حيث قدماها من الحياء , فتلك المؤسسه لا مكان فيها للنساء وجميع من فيها من الرجال اقترب منها وناداها بلطف, وما أن سمعت صوته حتى رفعت رأسها ليرتسم على وجهها تلك الإبتسامه ويا لروعة تلك الإبتسامه كانت كماء بارد تدفق ليروي الضمأ في عروق قلبه المتصحر فأنسته الهموم والغموم  …وتبددت غيوم اليأس وزالت آلام الحزن والكدر إبتسامه من القلب أثمرت الإنشراح والسعاده والهدوء والسكينه وألقت الغطاء الأسود عن عينيه فأبصر حدائق ذات بهجه ورياضاً خضراء وارفة الظلال ورحلت الغربان لتأتي البلابل وتغني أعذب الألحان وتتلون السعاده بأجمل الألوان 
وبعد وقت قصير غادرت تلك المرأه وشعورها بالسعاده بادياً عليها   

فمن كانت تلك المرأه يا ترى التي جعلت من الدمعة بسمه ومن الحزن فرحاً ومن اليأس أملاً وكان لها هذا الأثر الكبير في نفسه ؟
إنها إمرأه حزينه جداً محطمة القلب توفي عنها زوجها وهما غريبان هنا وترك لها أربعة أيتام فذهبت إلى إخوتها وإخوة زوجها ليحطموا قلبها مرة أخرى بعد أن تنكر الجميع لأبنائها فعادت إلى هنا بحرقة في القلب وغصة في الحلق ودموع تنسكب من العين لتشقى في سبيل أبنائها ولم تعد تعرف للفرحه مكان ولا للإبتسامه عنوان حتى التقت به فأحست بالأمان وكلما رأته شعرت بالإطمئنان بعد أن وجدت أخاً ليس من أمها ولا من أبيها يعطف عليها فترتسم على وجهها تلك الإبتسامه التي يفرح بها قلبه وقد من ّ الله عليه بأن جعله سبباً في ابتسامة تلك المرأة الحزينه وبالكلمه الطيبه فقط 
إن عجزت عن الإبتسامه وأبى الفرح أن يدخل قلبك وطافت بك الهموم وألمّت بك الغموم فامنح غيرك معروفاً وأسدِ لهم جميلاً تجد الفرج والراحة. أعط محروماً، انصر مظلوماً، أنقذ مكروباً، أطعم جائعاً، عد مريضاً، أعن منكوباً، إمسح دمعه كهذه 


وارسم مكانها ابتسامه على وجوه البؤساء وليكن ذلك تجاه الله لتجد السعاده طعماً ولوناً تغمرك من بين يديك ومن خلفك
   

الأحد، 2 نوفمبر 2014

الحاج سعيد

في بيت متواضع كان يعيش الحاج سعيد وعائلته الصغيره حياة فقيره ولكن الرضى كان يملأ قلبه وكان مقتنعاً بأن الرزق مقسوم والقدر محسوم والدنيا لا تستحق الهموم فكان يعيش حياته يوماً بيوم وكان سعيداً في معيشته …. كان يعمل حارساً في أحد قصور الملك وكان يحب عمله جداً فكان يعتني بالأشجار والأزهار ويزين الحدائق والمرافق فيجعلها خضرة نظره تسر الناظرين وتشرح قلب القاطنين والزائرين .

كان الملك يأتي إلى هذا القصر عندما يشعر أنه بحاجه للراحة والإستجمام حيث الأجواء الصافيه والمياه الجاريه والمناظر الخلابه التي تبعث الراحة في النفس وكان كلما أتى إلى القصر يلتقي بالحاج سعيد ويسلم عليه فهو يعلم مدى جده واجتهاده وإخلاصه في العمل وإتقانه . وفي إحدى المرات أتى الملك إلى القصر وكان يبدو سعيداً ومنشرح البال ولكنه لم ير الحاج سعيد فسأل عنه وقيل له أنه يعمل في الجهة الأخرى من البساتين فأمر بإحضاره وحين أتى على عجل سلم على الملك بحراره وأمام من كان حاضراً وضع الملك يده على كتفه وسأله عن حاله وأحواله فحمد الله وأثنى عليه فقال له الملك : يا حاج سعيد أنت تعمل هنا منذ سنوات طويله ولم تطلب مني في يوم حاجه والآن أنا أريدك أن تطلب ما تشاء وأي كان طلبك فهو مجاب فرد الحاج سعيد وقال : يا مولاي أشكرك من أعماق قلبي ولكنني لا ينقصني شيء فصعق الحاضرون وظنوا أن الرجل قد جن وهو يغلق باباً تمنوا لو أنه فتح أمامهم وأصابت الملك الدهشه وأعاد السؤال مرة أخرى على الحاج سعيد وطلب منه أللا يخجل وأن يطلب أي شيء فقال الحاج سعيد تذكرت يا سيدي أريدك أن تأمر بإصلاح السور من الجهة الشرقيه ففيه فتحه يمكن أن تدخل منها الحيوانات البريه فقال له يا رجل إنس أمر السور والقصور أريد حاجة لك أنت فقال بثقه ليس لي حاجة ولست بحاجة لشيء فتبسم الملك ودعا له بالتوفيق ودخل إلى قصره وبقي الحاضرون يتساءلون فيما بينهم ويتحدثون عن الحاج سعيد فمنهم من قال انه مجنون ومنهم من قال انه غبي ومنهم من قال انه ربما منعه الخجل حتى تكلم أحدهم وقال ليس هذا ولا ذاك فهذا الرجل لم يرفض النعمه والنعيم ولكن الله عز وجل له حكمه وإن الله لا يغلق أبواب الخير في وجه أحد وهناك أناس وهم قليلون جداً في هذه الأيام يمشون بنور الله وكما تعلمون فإن هذا الرجل سعيد جداً في حياته وربما لو أتته الأموال لأفسدت السعاده التي يعيشها وفككت أسرته المترابطه وأخرجت من قلبه ذلك النور والصفاء والسكينه التي تخيم عليه ولذا فإن الله ربط على لسانه ليحفظه لا ليحجب عنه خير والله عليم حكيم .
وبعد ساعات حان وقت مغادرة الملك فخرج من قصره وسأل عن الحاج سعيد فقيل له انه يتابع إصلاح السور فضحك الملك وقال أبلغوه مني السلام والشوق للقائه في المره المقبله وغادر القصر وبقي الحاج سعيد يعيش تلك الحياة الهادئه راضياً وسعيداً بما قسم الله وساعياً بما يرضي الله .