الأحد، 10 نوفمبر 2013

من شابه أباه فما ظلم


يقال الولد سر أبيه وإذا أردت أن ترى نفسك وأنت صغير فانظر إلى إبنك وتأمل أفعاله وراقب سلوكه ولقد قام العديد من علماء النفس بدراسات وأبحاث تتعلق بتوارث الصفات الجسميه والعقليه والنفسيه وانتقال هذه الصفات عبر الأجيال ويعد عالم النفس الإنجليزي فرنسيس جالتون ( إبن عم دارون ) أول من استخدم طريقة النسب الوراثي وأبرز إسهاماته كانت دراسته لوراثة الذكاء التي قدمها عام 1869 وقضى فيها قرابة ثلاثين عاماً لدراسة العوامل الوراثيه وقام بدراسة الأساس الوراثي للعبقريه والتفوق العلمي والأكاديمي وخلص إلى أن هذه الأمور تتوارث من الأب إلى الإبن وقام عالم آخر إسمه جودارد عام 1912 بدراسة تأثير الوراثه على صفة الضعف العقلي وقام بتتبع قصة أسره تعرف في تراث علم النفس بإسم أسرة كاليكاك وخلص إلى أن الضعف العقلي ينتقل بالوراثه كما هو حال الذكاء

إلا أن آراء علماء النفس حول هذه النتائج قد اختلفت ووجهت كثير من الإنتقادات لجالتون وجودارد فالبعض يرى أن الذكاء لا يتحدد بالوراثه فقط ولكن تلعب البيئه والأوضاع الإقتصاديه وأمور أخرى دورها أيضاً في هذا الشأن وأن أسلوب دراسة الأسره والنسب الوراثي يتميز بمشكله محدده هي عدم القدره على فصل التأثيرات الوراثيه عن التأثيرات البيئيه وما يمكن أن تلعبه الأخيره في تنشئة الفرد ويتضح هذا التأثير في حالة طفل أفيرون المتوحش أو ما عرف في التراث العلمي لعلم النفس بطفل الغابه فقد عثر على هذا الطفل في غابة أفيرون القريبه من باريس عام 1799 وكان عمره ما بين 11 و 12 عاماً وكان أكثر توحشاً وأكثر شبهاً بالحيوانات منه بالإنسان حيث لم يكن قادراً على التحدث بلغة البشر وكان يختار طعامه مستعيناً بحاسة الشم وكان يمشي على رجليه ويديه وحاول الطبيب الفرنسي إيتارد الذي كان يتابع حالته أن يعلمه ويكسبه خصائص سلوك الإنسان وحاول ان يقلل من الدوافع الحيوانيه الموجوده لدى الطفل وبعد مضي خمس سنوات من الجهود المضنيه أعلن الطبيب الفرنسي عجزه عن إكساب الطفل أي من الصفات الإنسانيه

ويرى أصحاب وجهة النظر هذه أن الآباء الأذكياء لا ينقلون لأبنائهم الجين المسؤول عن صفة الذكاء وحسب وإنما يوفرون عادة لأبنائهم بيئه ومناخ ملائمين لتنمية إستعداداتهم الوراثيه وتنشيطها والأمر لا يتوقف عند حد الذكاء فقط وإنما يمتد ليشمل كافة الخصائص الوراثيه وإن لم تتوفر البيئه الملائمه فلن تظهر تلك الخصائص

وبعد أن تناولنا بإيجاز أراء علماء النفس سنذهب لنستريح قليلاً مع الأدب القديم في قصه طريفه رواها الأصمعي وهي في صلب موضوعنا اليوم قال فيها :

كان في بني تميم رجل أسمه حنظله وكان معروفاً بسرعة الجواب المسكت حتى لا يكاد أحد يقهره فتزوج إمرأه منهم اسمها علقمه فجاءته بعدة أولاد ولم يسلم له منهم غير ولد اسمه مرّه وكان أسرع من أبيه جواباً مع بشاعة منظره فصدر منه أمر أوجب سبّه من أبيه في قومه فدار بينهما هذا الحوار

 الأب : أنت خبيث كإسمك يا مره

 الإبن : أخبث مني من سماني به

 الأب : إنك لمر يا مره

 الإبن : أعجبتني حلاوتك يا حنظله

الأب :  تالله لست من الناس

 الإبن : من شابه أباه ما ظلم

الاب :  لا رضي الله عن بطن تقلبت فيه

 الإبن : أجل ولا عن ظهر نزلت منه

الأب : ويلك ما تزداد إلا سوء أدب

الإبن : أتجني من الشوك عنباً

الأب : لقد كنت شؤماً على إخوتك حتى ماتوا وبقيت

الإبن :  أعجبتني كثرة عمومتي يا مبارك

الأب :  لا أفلحت أبداً

الإبن :  كيف يفلح من أنت أبوه

الأب :  ما أحوجك الى تأديب

الإبن :  الذي نشأت على يديه أحوج مني إليه

الأب :  أراحني الله كما أراح إخوتك

الإبن :  تختنق بحبل حتى تموت فتستريح من وجهي

الأب : لأدعون الله عليك

الإبن : الذي تدعوه عالم بك

الأب :  ما يعلم مني إلا خيراً

الإبن :  شاكر نفسه يقريك السلام

الأب :  ما أجد لي خيراً من السكوت

الإبن :  يمنعك سوء خلقك الذميم

الأب :  لولا فتوري عنك ما تجرأت علي

الإبن :  إذاً نفسك فلم

الأب : إن قمت إليك لأوجعتك ضرباً

الإبن :  ما أنت أشد مني بطشاً

الأب :  وتضربني إذا ضربتك

الإبن :  وأنت في شك من ذلك

الأب :  فإذاً سود الله وجهك

الإبن :  إلا أنت بيض الله عينيك

الأب :  ورّم الله منك الأرض

الإبن :  إذاً فرق الله بينك وبين العافيه

الأب : يا رب ترزق الناس أولاداً حساناً وأنا ترزقني شيطاناً

الإبن :  أما علمت أن من العصا العصيه والحيه لا تلد إلا حييه

ِقال الأصمعي فانقطع جواب الأب ولم يعش بعدها إلا يوم وليله


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق